انتهاكات حقوق الانسان التي تعرضت لها النساء والفتيات النازحات وتداعياتها في حرب 2015 –عدن " دراسة تحليلية "
الباحث : عمار محمد صالح
الاشراف : د. هدى علي علوي
2023م
ملخص الدراسة :
كرم الله الإنسان فوهبه نعم كثيرة لا تحصى ولا تعد وقال تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا﴾ وتأكيدا لهذا التفضيل فان الله عز وجل استخلف الإنسان في الأرض حيث جاء في كتابه الكريم﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ فميزه عن سائر المخلوقات ، وهذا الإنسان الذي كرمة الخالق جلت قدرته يتمتع حقوق نابعة من طبيعة البشر ملازمة له بوصفه أنسانا وهي غير قابلة للتصرف ولصيقة به حيث نصت عليها الشرائع السماوية والتشريعات الوضعية. ولذلك يجب على الإنسان التمسك بحقوقه والدفاع عنها وحمايتها بالوسائل القانونية والشرعية. فحقوق الإنسان حقوق متأصلة في جميع البشر، مهما كانت جنسيتهم، أو مكان إقامتهم، أو نوع جنسهم، أو أصلهم الوطني أو العرقي، أو لونهم، أو دينهم، أو لغتهم
. وعلى الرغم من إقرار وتأكيد الديانات السماوية والقوانين الوضعية الإنسانية على الرحمة والرأفة والرفق بين بني الإنسان، وعلى الرغم من حجم الأضرار التي تكبدتها الإنسانية جرّاء اعتماد العنف والنزاع كأداة للتخاطب.
أن أي انجاز بشري يتوقف على ركائز الاستقرار والسلام. إلا أن الإنسانية مازالت تدفع ضريبة باهظة جرّاء العنف والصراعات التي مازالت عالقة في أذهان وسلوكيات التاريخ الانساني، فهي مشكلة قديمة جديدة لا تلبث أن تستقر في حياتنا الإنسانية كل حين لتصادر أمننا وتقدمنا البشري بسبب ممارسة السيطرة والعنف والنزاعات المسلحة.
وقد اشارت المبادئ التوجيهية بشأن التشرد الداخلي صراحةً على حماية النساء النازحات من العنف والاستغلال وتعزز تساوي الفرص في الحصول على المساعدات والخدمات والتعليم، فضلا عن إشراكهن في القرارات التي تؤثر عليهن. مما يعد انعكاس الما في مرجعيات القانون الدولي الانساني.
ما شهدناه عندما تعرضت مدينة عدن في مارس2015 إلى عدوان عسكري مباغت وتصعيداً في العمليات القتالية أُستخدم فيها أعتى الاسلحة ، مخلفة ورائها دماراً شاملاً في أغلب مناطق عدن وتزايد في الانتهاكات الانسانية والحقوقية التي تعرضت لها النساء النازحات في اثر هذه الحرب الغاشمة وتحولت العديد من المنازل والمنشآت المدنية إلى أكوام من التراب ،حيث يعد حجم الدمار والخراب والنزوح الذي خلفته الحرب غير مسبوق ، فقد راح ضحية هذه الحرب العديد من القتلى المدنيين العزل من النساء والاطفال والشيوخ والرجال ودماراً في المباني والبنية التحتية.
كما اضطرت الاف الاسر إلى النزوح وترك منازلهم هاربة إلى ملاجئ غير رسمية، كمنازل الاقارب والاصدقاء والمباني الغير المؤهلة والمدارس بحثاً عن مأوى آمن. وبسبب تضاعف اعدد النازحين داخلياً من عدن والمحافظات المجاورة لها فاق العدد المتوقع في خطط الطوارئ والاعمال الانسانية، كما كانت اماكن النزوح كالمدارس والاماكن العامة تفتقر إلى ابسط مقومات الحياة الانسانية، ليصبحوا فريسة للجوع والعطش والحرمان من ابسط الحقوق.
وقد تزامنت هذه الحرب مع الحصار الظالم الذي تعرضت له عدن والمحافظات المجاورة الذي تسبب في استمرار انقطاع التيار الكهربائي والمياه ونقص الوقود والادوية والمعدات الطبية وقطع طرق المواصلات واختفاء العديد من المواد الغذائية الضرورية كما ارتفع معدل العوز وحرمان الموظفين من رواتبهم الى جانب انعدام مصادر الدخل وهذا ما زاد من التحديات التي واجهتها النساء النازحات اثناء وبعد الحرب.
كما تركت هذه الحرب اثاراً عميقة على أوضاع النساء في المناطق المتضررة بشكل عام والنساء النازحات بشكل خاص وحقوقهن بما في ذلك تزايد حالات الانتهاكات ضدهن في مراكز الايواء وفي العائلات المستضيفة لهن واماكن التجمعات الاخرى وفي هذه الدراسة سيتم رصد واقع الانتهاكات الانسانية ضد النساء النازحات وتقييم احتياجات الحماية الفعلية في مراكز الايواء والاسر المستضيفة والتجمعات الاخرى والخدمات المتوفرة والمقدمة للنساء النازحات.
مشكلة الدراسة وتساؤلاتها:
على الرغم من وجود القوانين والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي تضمن حقوق الانسان بشكل عام والنساء والفتيات بشكل خاص الا ان الانتهاكات الحقوقية تزداد حدةً من فترة الى اخرى ضد النساء والفتيات في ظل الحروب والنزاعات المسلحة، تتجسد مشكلة الدراسة بتصور الباحث في انتهاكات حقوق الانسان التي تعرضت لها النساء والفتيات النازحات اثناء وبعد الحرب التي وقعت خلال عام 2015م ــــــ محافظة عدن وضواحيها، وفي هذا الإطار يرى الباحث أن مشكلة الدراسة تتمثل من خلال المحاولة على الاجابة عن التساؤلات التالية:
1. ما معوقات الوصول إلى الخدمات الانسانية الاساسية بأمان للنساء والفتيات النازحات؟
2. ماهي الاحتياجات الاساسية واللازمة للنساء والفتيات النازحات؟
3. ماهي الاسباب التي لا تمكن النساء والفتيات النازحات المعنفات من الحصول على خدمات الدعم النفسي والاجتماعي؟
4.ما الخدمات الانسانية المقدمة للنساء النازحات من أجل مناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي؟
5. ما أثر الانتهاكات على النساء والفتيات النازحات؟
6. ما الجهات التي تلجأ إليها النساء والفتيات النازحات للمساعدة في حال تعرضهن للعنف؟
أهميةالدراسة:
نشأت أهمية الدراسة لدى الباحث من خلال عمله في منظمات المجتمع المدني وقربه من المنظمات الحقوقية والعاملة في إطار الاستجابة الانساني الطارئة واطلاعه على مساهماتها ومعالجاتها لقضايا متنوعة، فضلا عمّا قرأه من دراسات مختلفة حول قضايا النساء والفتيات النازحات وما تعرضن له من معاناة ومتاعب وما تتعرضن له من انتهاكات حقوقية وخصوصاً اثناء الحرب على عدن في مارس 2015 وما بعدها حيث تكمن أهمية الدراسة في النقاط التالية:
1.تكتسب هذه الدراسة دلالة بالغة كونها تدرس لأول مرة واقع الانتهاكات الحقوقية ضد النساء والفتيات النازحات في ظلال عمليات العسكرية العنيفة على عدن، ويتوقع منها أن تشكل فاتحة أولية ومهمه لدراسات معمقة لهذه الفئة من المجتمع بمنهجية علمية يمكن أن تساهم مستقبلاً في الحد من الانتهاكات التي تتعرض لها كل النساء والفتيات في فترات الحروب والنزاعات المسلحة وحالات ما بعد الحرب.
2.سوف تقدم هذه الدراسة فهماً تحليلياً لوضع واحتياجات حقوق النساء والفتيات النازحات في ظل الحروب والنزاعات المسلحة.
أهداف الدراسة:
سوف تسعى الدراسة الى تحقيق الاهداف التالية:
1.الوقوف على الخدمات الانسانية المقدمة للنساء والفتيات النازحات اثناء وبعد الحرب من قبل المنظمات الدولية والمحلية والمؤسسات الحكومية.
2. رصد واقع النساء والفتيات النازحات اثناء وبعد حرب 2015ـ عدن، فيما يتعلق بالانتهاكات الحقوقية ضدهن.
3. الوقوف أمام آليات الحماية للنساء والفتيات النازحات أثناء وبعد الحرب ومدى ملاءمتها لاحتياجاتهن.
4. لفت انتباه ومساعدة صناع القرار المحليين والدوليين، وكذلك المؤسسات ذات العلاقة على ايجاد التدابير الوقائية المراعية لخصوصية النساء والفتيات النازحات وحمايتهن أثناء الحروب والنزاعات المسلحة في ضوء النتائج التي سوف تخرج بها هذه الدراسة.
5.الخروج بتوصيات محددة، يمكن البناء عليها لاحقاً مجموعة من التدخلات الخاصة بمعالجة آثار الحرب، وتحسين أوضاع وحقوق النساء والفتيات النازحات ما بعد الحرب، والحد الانتهاكات الإنسانية والحقوقية ضدهنّ.
معوقات الدراسة
1. حداثـة موضـوع الدراسـة، فهـي مـن الدراسـات المبكـرة جـدا التـي تعالـج موضـوع الانتهاكات الحقوقية ضـد النسـاء والفتيـات النازحات اثناء الحرب وبعد الحرب التي وقعت خلال عام 2015م ــــ محافظة عدن وضواحيها.
2. غياب الدراسات التحليلية المعمقة، الخاصة بموضوع الدراسة، خاصة على المستوى المحلي.
3. قلـة إحصـاءات النـوع الاجتماعـي بشـكل ّ عـام، وفيمـا يخـص الخدمـات المقدمـة أثنـاء الحـروب وفـي اماكن النزوح علـى وجـه الخصـوص.
4. رفض الكثيـر مـن النسـاء والفتيات الإفصـاح عـن الانتهاكات التي وقعت عليهن نتيجـة الخـوف مـن البـوح بمـا حـدث لهـن، أو الشـعور بالانكسـار، أو عـدم الأمـان، أو نتيجـة العـادات والتقاليـد وغيرهـا.
حدود الدراسة
1. حدود بشرية: النساء والفتيات النازحات من سن 14 الى 80 عام.
2. حدود مكانية: محافظة عدن.
3. حدود زمانية: العام 2021/ 2022م.
مصطلحات الدراسة
1. النازحون/ات: إن كلمة نزح تعني الانتقال، وقد استخدمت بمعني ترك مكان الإقامة سواء كان أصليا ودائما أم مؤقتا، ولذا فالكلمة تعني الانتقال فعلا لكنه ليس الانتقال الطبيعي للأفراد بل لسبب خارج عن إرادتهم، كما أن الكلمة لها مرادف في الانجليزية هو displacement وتعنى في المعجم الإنجليزي الانتقال أو ترك المكان المعتاد. كما استعملت عبارة Internal Displace Persons الاصطلاحي ومختصرها الدولي IDPS لتشير إلي الأفراد الذين انتقلوا من أماكن إقامتهم وتركوا مناطقهم الأصلية إلي مناطق أخري داخل حدود دولتهم خوفا من النزاعات والحروب الأهلية، أو بسبب انتهاك حقوقهم الأساسية ، أو حماية لأنفسهم من الكوارث الطبيعية وقد استخدمت بعض الترجمات العربية تعبير "التشرد الداخلي" كما استخدمت ترجمات أخري ككلمة :نازحين" كما استخدمت أيضا كلمة الترحيل القسري لتعريف مصطلح IDPs ، لكننا في هذه الدراسة سوف نستخدم لفظة نازحين ليس لأنها الأكثر تعبيرا عن المعني الاصطلاحي بل لأن الاستخدام الشائع وكذلك الرسمي جعلها الأكثر فهما للمقصود.
2. مراكز الإيواء: أماكن تخصص للمتضررات والمعنفات من الحروب، ويجب أن تكون آمنة، وتتوفر فيها جميع المستلزمات الضرورية لاستمرار الحياة لحين عودتهم إلى منازلهم.
3. الانتهاكات: هو حرمان مجموعة من الأشخاص من حقوقهم الأساسية الثابتة لهم بموجب الشرع والقانون، ومن الممكن أيضًا تعريف انتهاك حقوق الإنسان على أنّها: "ممارسة جميع أعمال العنف ضد بعض البشر وتعذيبهم.
4. الحماية: تعني الحماية من الناحية الإنسانية أن يكون الأشخاص في منأى عن جميع أشكال العنف والاضطهاد، وأن يكونوا في أمان نفسي وجسدي يضمن لهم الحياة الكريمة بعيدًا عن جميع أشكال التهديد، وهي أيضًا شاملة لجميع الممارسات والأنشطة التي تضمن الحفاظ على حياة الأشخاص وضمان حقوقهم القانونية والسياسية والإنسانية، ومنع وصول الأذى إليهم بأي شكلٍ كان.
5. الميثاق الانساني: يوفر الميثـاق الانساني الخلفية الاخلاقية والقانونية لمبادئ الحماية، وللمعايير الدنيا والمعيار الاساسية في مجال الاستجابة الانسانية.
6. العنف ضد المرأة: أي ردِّ فعل عنيف والذي ينجم عنه أو يخيل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما في ذلك التهديد باقتراف مثل هذا الفعل، أو الإكراه، أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء وقع ذلك في الحياة العامة أو الخاصة.